معاناة إنسانية متفاقمة.. الخرطوم تئن بين ركام الحرب وجحيم الأوبئة
معاناة إنسانية متفاقمة.. الخرطوم تئن بين ركام الحرب وجحيم الأوبئة
أرهقت الحرب التي اندلعت في العاصمة السودانية الخرطوم منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، حياة ملايين المواطنين الذين وجدوا أنفسهم وسط دمار شامل وفقدان للأمان، في مدينة تحوّلت إلى ما يشبه مدينة أشباح.
لم ينجُ بيت من فقدان عزيز، ولم يسلم حيّ من الخراب، في حين تلاشت مظاهر الحياة تدريجياً في ظل انهيار شامل للبنية التحتية وتدهور الأوضاع الصحية والتعليمية، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.
بدأت ملامح معاناة جديدة تتكشف بعد توقف المعارك وسيطرة الجيش على العاصمة، حيث عاد آلاف السكان إلى منازلهم ليفاجؤوا بواقع أكثر قسوة مما تركوه خلفهم، فالعاصمة التي كانت مركزاً للحياة والحضارة السودانية باتت مرتعاً للأمراض والأوبئة، نتيجة تراكم الجثث والمخلفات داخل الشوارع وانتشار الحشرات في بيئة صحية منهارة تماماً.
وأثناء جولة ميدانية لمشفى "النو" -وهو الوحيد الذي واصل العمل رغم تعرضه للقصف مراراً- رُصدت مشاهد مأساوية داخل أروقته، حيث تكتظ الغرف بالمرضى من مختلف الأعمار، بعضهم يصارع الملاريا وآخرون يئنون من حمى الضنك أو الكوليرا.
وأكدت الطبيبة مروة محمد أن عدد المصابين بالأوبئة يفوق أعداد ضحايا الحرب، موضحةً أن حمى الضنك تفشت بشكل غير مسبوق بسبب تكاثر البعوض والذباب وسط تراكم النفايات.
وأضافت أن "الخرطوم لم تعرف هذا النوع من الوباء قبل النزاع"، مشيرةً إلى نقص حاد في الأدوية والمحاليل الوريدية رغم جهود الكوادر الطبية.
فيضانات تزيد الجراح
فاقمت الفيضانات والسيول التي ضربت ولاية الخرطوم خلال موسم الخريف المأساة الإنسانية. فبحسب المنظمة الدولية للهجرة، نزح أكثر من 1200 أسرة من محلية الخرطوم بحري وحدها، في حين تشير الإحصاءات الحكومية إلى تضرر نحو 25 ألف أسرة -أي أكثر من 125 ألف شخص- منذ بداية موسم الأمطار حتى أواخر سبتمبر الماضي.
وأدت هذه الكوارث الطبيعية إلى تفاقم انتشار الكوليرا والأمراض المعدية، نتيجة توالد البعوض ونقل العدوى بين المواطنين. كما بدأ مرض الكبد الوبائي بالانتشار من ولاية الجزيرة إلى العاصمة.
ووفقاً لتقرير مركز الطوارئ الاتحادي، تضررت ثلاث ولايات خلال الفترة بين 17 و21 أيلول، ما زاد من هشاشة الوضع الصحي في البلاد.
وروت المواطنة مي عز الدين، إحدى الناجيات من الملاريا وحمى الضنك، أن الخرطوم تعيش اليوم أزمة مركّبة بين تبعات الحرب وتفشي الأمراض وغلاء أسعار الأدوية.
وقالت: "هناك من يستغل الأزمات لرفع الأسعار بشكل جنوني، في حين أن المواطن يقف وحيداً في مواجهة الموت".
تصريحات وتشكيك شعبي
أعلنت وزارة الصحة السودانية تسجيل أكثر من 3500 إصابة مؤكدة بحمى الضنك في خمس ولايات، منها 74% في الخرطوم، مشيرةً إلى أن معدل الوفيات لا يتجاوز 0.2% وأن معظم الحالات يمكن علاجها في المنازل.
لكن الصحفية حرم شيخ الدين شككت في هذه الأرقام، مؤكدة أن الواقع أكثر مأساوية بكثير، إذ "يختفي الدواء من الصيدليات، والمحاليل الوريدية تُصرف بجرعات محدودة".
وأضافت أن حملات مكافحة البعوض التي نفذتها الوزارة "كانت متواضعة وغير فعالة"، داعية إلى تدخل عاجل وحقيقي من السلطات والمنظمات الدولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أزمة إنسانية مفتوحة
تعكس الخرطوم اليوم صورة بلد ينهض من رماد الحرب ليقع فريسة لأوبئة تهدد حياة الآلاف، وسط عجز حكومي وغياب شبه تام للدعم الدولي.
وبينما يحاول الأهالي إعادة بناء حياتهم، تتفاقم معاناتهم في مواجهة "حرب صامتة" لا تُسمع فيها أصوات الرصاص، بل أنين المرضى وضيق الأمل.










